رد الاعتبار للخط العربي ..كيف ؟!

رد الاعتبار للخط العربي ..كيف ؟!

 

بقلم / عبد الحليم سيف

شيء جميل ورائع أن تقرر منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة “اليونسكو” إدراج فنون الخطَ العربي في قائمتها للتراث الثقافي غير المادي.. كضمان الاعتراف بتقاليد المجتمعات ودرايتها التي تعكس تنوّعها الثقافي..

وعرفت اليونسكو الخط العربي بأنه “ممارسة فنية لكتابة النصوص العربية باليد بطريقة سلسة لتبرز التناسق وأناقة الحركة والجمال”. وفقا لتقرير مطول أورده موقع BBC News .. نقلا عن موقع المنظمة الجمعة الماضية.

هذا القرار جاء هذه السنة (2021) بالتزامن مع احتفالات اليوم العالمي للغة العربية – الذي يصادف 18ديسمبر من كل عام- وقبل أن أدلي بدلوي في محاولة للإجابة عن سؤال اللحظة وهو ..كيف يكون الرد العملي لإعادة الاعتبار لهيبة الخط العربي وجماله وبهائه، ليعرف جيل اليوم، كيف كان آباؤهم وأجدادهم وإخوانهم يعتنون بفنون الخط، والحفاظ على أصوله؛ لكونه ارتبط بلغتهم وحضارتهم وتراثهم وثقافتهم وتاريخهم وفنونهم.

***
يتذكر الجيل الذي ظهر في خمسينيات القرن العشرين وستينياته ، وربما سبعينياته، كيف كان تعليم الخط العربي ، حاضرا ومتوهجا في قلب العملية التربوية والتعليمية ، في المدارس بمختلف مراحلها من الابتدائية- الثانوية كان الخط بحروفه العربية الأصيلة و الجميلة وبقواعده ، في صلب المنهج الدراسي..كان الطلبة يتسلمون كراسة خاصة بالخط، وهي مستطيلة الشكل بصفحاتها البيضاء ..ثم أدخلت كرسات مرسومة عليها الأحرف بمختلف أنواعها وصورها.. وكانت هناك حصة ضمن مادة اللغة العربية، يتلقى فيها الطلبة من معلم اللغة فنون الخط وأنوعه وأشكاله من النسخ والرقعة والكوفي والفارسي والثلث و….وللخط درجة في امتحان النهائي ضمن الدرجة الكلية لمادة العربي …وتتعدد مظاهر العناية بالخط ..ومن ذلك ما نجده في الصحافة المدرسة التى تكتب بخط اليد.. وفي جمعيات مدرسية ثقافية تعني بالخط.. ومن ملامح إبراز جمالية الخط ما تنقشه ريشة الفنانين التشكيليين أو أساتذة اللغة العربية على جدران المدارس من عبارات جمالية فنية، تفتح النفس وتحبب عشق الخط والشغف به .. ويمتد حضور الخط إلى البيئة المجتمعية فكان يجتذب الخط العديد من الفنانين كمهنة أو حرفة..إلى قيام التشكيليين بنقش الأمثال والحكم والأحاديث النبوية الشريفة على سطح الزجاج، فتصبح لوحة بديعة، تزين بها المجالس …فضلا عن زخرفة منابر المساجد بالآيات القرآنية..حتى أسماء المحلات التجارية والشركات والمحلات والمطاعم والمؤسسات والمصانع وكذا الإرشادات المرورية والصحية ونحوها..تجد الاهتمام ظاهرا من خلال اللوحات المكتوبة عليها بأجمل الخطوط والألوان فتجد الإنسان ينجذب إليها وإلى قراءتها ومعرفة محتواها ومعانيها … بل تجد تلك الخطوط الجميلة منقوشة على اجسام الناقلات الكبيرة… على ظهر الزجاجات الخلفية لدبابات وحافلات نقل الركاب داخل المدن أو بين المحافظات .

ومن يعود إلى صحف ومجلات العشرينيات وحتى مطلع الثمانينيات ..سيقف منبهرا أمام الخط العربي في صياغة المانشتات الضخمة والعناوين العمودية والهرمية بأناقة ورشاقة.. حيث يتنافس الخطاطون على جذب انتباه القارىء إلى فحو المادة الصحافية عبر أسلوب الإبراز .

وكثيرة هي الأمثلة الشاخصة والناطقة بدائرة الاهتمام الرسمي والشعبي بالخط العربي في ذلك الزمن الذي أصبحنا متفقين على تسميته بالزمن الجميل المليء بأحداث وذكريات ودروس نتعلم منها أشياء كثيرة وممتعة لو أردنا !!

***

وماالذي حدث أيضا ليجعلنا نتحسر على فنون خطنا العربي أيضا ?!
آعتقد ..ان الإهمال بدأ مع مطلع الثمانينيات في الشمال مثلا لأهداف سياسية وفقا لباحثين تربويين ..منها عدم العناية بمادة الخط،وعدم تشجيع الموهوبين والأخذ بأيديهم.. وغياب الاهتمام الكافي باللغة العربية،وعدم الاهتمام بإعداد المعلمين الإعداد الجيد وبخاصة.معلمو اللغة العربية وتدريبهم التدريب الجيد على امتلاك مهارات الكتابة الصحيحة والخط الجميد الجميل، ليتمكن من تدربب التلاميذ عليه ففاقد الشيء لايعطيه…وكذا تم إلغاء مواد :التربية البدنية ..والتربية الفنية..والموسيقي…من المنهج الدراسي، وبقيت أسماؤها منقوشة في بطاقات درجة الطالب…عدم العناية بالمسابقات المدرسية وانكفاء النشاط المسرحي والفني والكشفي والفني إلا ماندر..كل ذلك ليس لإعطاء مساحة أكبر من الحصص للمواد العلمية …!!

ومن العوامل الأخرى التي تقف وراء تآكل الخط العربي أو إهماله، عدم تعليمه في المدراس ضمن المنهج ..عدم وجود خطط لتطويره وتحسينه، عزوف الفنانين عن هذه الحرفة،وعدم إعداد معلمي اللغة.تأهيلا وندريبا ليتمكن من نقل خبرته لتلاميذه وعدم تصويب خطوط التلاميذ بطريقة.سليمة،.وغياب الدورات التدريبية لتدريب وتأهيل التلاميذ على مهارات كتابة الخط…..دخول عنصر التكنولوجيا ..ما أفرز ضعفا في الخط، ليس بالمدارس وحدها، وإنما في الجامعات حتى يصعب “أستاذ المادة” فك خطوط إجابات طلبته …والأنكى أن “القلم المبجل”الذي كان يزين جيب القميص أو الكوت.. توارى خلف الهاتف المحمول…!!

***

والآن كيف يمكننا إعادة الاعتبار لفخامة الخط العربي..؟
في الإجابة عن هذا السؤال ـ كما أظن ـ أن البداية تكمن في الذهاب أبعد من الترحيب الخجول بقرار اليونسكو ..إلى فتح نقاش جاد وعميق ومسؤول وصادق في مختلف المحافل ..نقاش يشارك فيه خبراء في التربية والتعليم والثقافة وأساتذة اللغة العربية والخطاطون المحترفون والفنانون التشكيلون…وعلى مستوى المدارس ومراكز الدرسات والتراث لخلق وعي مجتمعي بضرورة العودة لإحياء فنون الخط العربي في مناهجنا وثقافتنا وتراثنا…فضلا عن إعادة الاعتبار لتدريس المواد التي ألغيت، وأعني بها التربية البدنية..والتربية الفنية والتربية الموسيقية، وتنشيط كل مظاهر النشاط المدرسي المسرحي والكشفي والاجتماعي والثقافي.. كجزء مكمل للمنهج الدراسي؛ لخلق الإنسان القادر على العطاء، والاستفادة من عصر التكنولوجيا والصحافة الرقمية ..وبما يفيد..لا ما يدمر ويفرق.