ابناء غزة .. يُقتلون بالبرد ويُشرّدون تحت المطر

في غزة الصمود ، لا يأتي الشتاء كفصلٍ من فصول الطبيعة، بل كسلاحٍ قاتل يُضاف إلى ترسانة المعاناة التي يفرضها الاحتلال الصهيوني كل يوم .
وفي غزة ، لا يحمل المطر بشائر الحياة، بل يفضح انهيار المنظومة الإنسانية، ويكشف حجم الجريمة التي تتجاوز الطقس إلى ما هو أبعد وأخطر .
تسقط قطرات المطر في شوارع غزة كأنها رصاص بطيء، تغرق خيام النازحين الهشة، وتشتد الرياح على أجسادٍ أنهكها حصار الاحتلال والجوع .
أطفال يرتجفون من البرد، ونساء يحاولن تثبيت أغطية مهترئة أمام عواصف لا ترحم، بينما تتحول الأرض إلى مستنقعات، ومصائد موت .
المطر، الذي ارتبط في الذاكرة الإنسانية بالحياة والنماء، يتحول في غزة إلى رمزٍ للفناء .
ليس بفعل الطبيعة، بل نتيجة حصار صهيوني خانق وهدم ممنهج، جعل من أبسط مقومات النجاة حلما بعيد المنال .
فالمشهد في غزة لا يقتصر على حربٍ تُزهق الأرواح بالقصف ، بل على مشروع صهيوني طويل الأمد صُمّم لإضعاف ابناء القطاع من الداخل، عبر إنهاكه نفسيًا وإنسانيًا حتى في تفاصيل الحياة اليومية .
الطفل الذي يموت من البرد، والمرأة التي تفقد آخر غطاء يحمي أبناءها، والرجل الذي يقف عاجزًا فوق أرض غارقة بالمياه؛ جميعهم ضحايا “موت بطيء” مُحكم التخطيط، لا تُسمع له أصوات انفجارات، لكنه لا يقل فتكًا عن القنابل والصواريخ والرصاص .
وأمام هذا المشهدالمأساوي لابناء غزة ، تقف المنظومة الإنسانية العالمية عاجزة، إن لم تكن غائبة .
يتحول الصمت الدولي والعربي إلى شراكة غير معلنة في صناعة المأساة، بينما يتفرج العالم الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان على أطفالٍ يُقتلون بالبرد، ويُشرّدون تحت المطر.
هذا هو الغرب الذي يتغنّى بالقيم الإنسانية، لكنه في غزة يفضح تناقضه الصارخ بين الخطاب والممارسة.
وفي المقابل، تتوه العروبة في دهاليز التطبيع والمصالح الضيقة، فتغيب عن مشهد الدفاع عن الإنسان، وتترك غزة وحيدة في مواجهة البرد، والجوع، والانكسار.
شتاء غزة يكتب رواية مختلفة؛ رواية لا تُقرأ في تقارير الطقس ولا في نشرات الأخبار العابرة، بل تُسجَّل على وجوه الأطفال المرتجفين، وعلى أيدي الأمهات التي تحاول أن تصنع من بقايا قماش مهترئ خيمةً تقي أبناءها من الموت بردًا.
إنها ليست مجرد مأساة إنسانية عابرة، بل شهادة دامغة على عالمٍ منافق، يوزّع الموت على غزة عبر الفصول : قيظًا في الصيف، وبردًا قاتلًا في الشتاء، بينما تبقى الكارثة واحدة… والضحية دائمًا هو الإنسان في غزة ..
